قيمة المعاهدات الدولية وطنيا
بمناسبة قرب عرض التقرير عن حقوق الإنسان في البحرين و بمناسبة توقيع البحرين لعدد من المعاهدات ذات الصلة بحقوق الإنسان و غيرها ربما يتساءل عامة الناس عن جدوى هذه المعاهدات و عن مدى انعكاسها عن حياة الإنسان من حيث الواقع, و في الحقيقة فإن هذا التساؤل في محله و الإجابة عليه متشعبة نوعا ما ..غير أن من المفيد جدا التعرض للإجابة و الصبر عن قراءة الإجابة الطويلة نسبيا حيث أن هذا الموضوع بالغ الأهمية سيما و أن هناك اتجاه متنامي يتجه نحو اعتبار الأمم المتحدة ( دولة فوق الدول) أي أن لها الكلمة العليا على جميع الدول..و مع ذلك فسأحاول الاختصار ما أمكن ،،
1 – من حيث المبدأ و كأصل عام فان القوانين الوطنية تسمو على الاتفاقيات و المعاهدات الدولية أي أن لها الأولوية في مجال التطبيق و لذلك فان على الدول التي تبرم معاهدات أو اتفاقيات دولية أن تقوم بتعديل قوانينها لتتناسب مع ما تم التوقيع عليه في تلك الاتفاقيات و المعاهدات و ما لم تقم تلك الدول بالتعديل فان المعاهدات و الاتفاقيات لا تجد طريقها للتطبيق و كمثال على ذلك محاكمة احد الناشطين الحقوقيين في البحرين لما دفع أمام القضاء- بمخالفة المواد التي يحاكم بمقتضاها- لحقوق الإنسان فأجابه القاضي انه يحاكمه بموجب تلك المواد القانونية لأنها سارية المفعول,,
2- في حال وجود مادة في دستور الدولة تنص على أن المعاهدات و الاتفاقيات الدولية تسمو على الدستور أو على القوانين الوطنية فإنه في هذه الحالة- و هي تعتبر حالة استثنائية- يتم العمل بمقتضى تلك الاتفاقيات و المعاهدات بمجرد التصديق عليها ما لم تنص على تاريخ معين لبدء العمل بها فينتظر إلى ذلك التاريخ لتطبيقها ..و كل ما يلزم هو أن يبرز أي طرف في الدعوي ما يثبت توقيع الدولة على تلك الاتفاقية أو المعاهدة ليعتبرها القاضي سندا في الدعوى يلغي حجية كل سند يخالفه..
3 – إذا قامت الدولة بإصدار تشريع يتوافق مع ما وقعته من اتفاقيات لكنه يخالف نصا دستوريا و صدر التشريع مخالفا لإجراءات التعديل الدستوري فلا تكتسب المعاهدات قوة النفاذ و يمكن الطعن عليها و على التشريع المشار إليه أمام المحكمة الدستورية كما يمكن للقاضي عدم تنفيذه من تلقاء نفسه
4 – إذا وقعت الدولة على معاهدة أو اتفاقية و كان القانون يتطلب التصديق عليها من قبل جهة معينة – و عادة تكون السلطة التشريعية- فانه لا تكتسب تلك المعاهدة أو الاتفاقية قوة النفاذ إلا بعد التصديق عليها من قبل الجهة المختصة.. و أحيانا بل كثيرا ما يكون الفارق الزمني بين التوقيع و التصديق كبيرا ،،
5 – و يمثل شرط التصديق ضمانة كبيرة و قوية لحفظ حقوق الدولة و مواطنيها.. لأنه يتيح وقت للتروي و يعطي مجالا لإعادة النظر و يمثل مخرجا و حلا لما قد تقع فيه الحكومة من إحراج أو استعجال كما يكرس حال الشراكة الوطنية لان التصديق يصدر عن ممثلي الشعب و كمثال عن الحرج الذي ذكرناه هو ما حدث أبان غزو العراق للكويت حيث اجتمعت دول الخليج في الدوحة لبحث هذا الموضوع المحدد لكن فاجأتهم قطر بتعطيل المباحثات و إلزامهم بوضع حل لنزاعها الحدودي مع البحرين و تحت طائلة الإكراه المعنوي و خشية من إفشال الاجتماع وقعت البحرين على اتفاقية التحكيم لدي محكمة العدل الدولية و التي مثلت سندا فيما بعد لقطر لإجبار البحرين للمثول أمام المحكمة الدولية و لم يقبل من البحرين أن تدفع ( بعدم القبول لرفعها على غير ذي صفة) و لو كان هناك شرط التصديق لأمكن للبحرين التنصل من تلك الاتفاقية فيما بعد بحجة عدم التصديق عليها من السلطة التشريعية ... و مع أن البحرين تعتبر منتصرة لان المحكمة قررت حقها في الاحتفاظ بجزر حوار لكنها خسرت فشت الديبل و بعض الجزر الصغيرة و خسرت المجال البحري المفترض لجزيرة قطعة جرادة و خسرت الآبار النفطية التي تقع بالقرب من فشت الديبل..
6- و حيث أن الاتفاقيات و المعاهدات الدولية لها قيمة قانونية دوليا و لها حجية فان الدولة التي لا تطبق ما وقعت وصدقت عليه فإنه يمكن محاسبتها دوليا كما يمكن فرض عقوبات عليها تتناسب و وضعها كدولة فيمكن فرض الغرامات عليها أو حجب بعض الامتيازات عنها كما يمكن مقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية
7 – و بالنسبية لمدى حجية تلك المعاهدات و الاتفاقيات الدولية فان حجيتها تنحصر بين الأطراف الموقعة عليها لكن لو أودعت نسخة منها لدى الأمم المتحدة فان الإيداع يعطيها حجة في مواجهة كافة الدول فالأمم المتحدة بالنسبة للدول تكون بمثابة جهاز التسجيل و الشهر بالنسبة للأفراد
8- و بالنسبة للمفاضلة بين الأسلوبين و هما (1) النص في دستور الدولة على أن ما توقعه الدولة يكون اسمي من القوانين الوطنية و يسري فور التصديق علية و (2 ) وجوب عرض أي اتفاقية أو معاهدة أمام السلطة التشريعية لفحصها و التأكد من ملائمتها دستوريا و اجتماعيا و أنها تمثل ما يتطلع الشعب إليه .. نرى أن الأسلوب الثاني هو الأفضل لأنه عنصر الضمان فيه أقوى
10 – و هناك مشكلة وهي أن بعض الحكومات تسعى للالتفاف على الجهة المختصة بالتصديق فتحيل المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية التي تخشي عدم التصديق عليها إلى جهة أخرى كان تكتفي بتوقيع رأس الدولة أو لجنة خاصة ..أو تدعي أن بنود الاتفاقية سرية ليس من مصلحة الدولة كشفها أمام النواب وهكذا تصدق على الاتفاقية جهة غير الجهة المخولة دستوريا بالتصديق عليها أو تمرر الاتفاقية و يصدق عليها دون فحصها أي يوافق النواب عليها دون الإطلاع عليها أو قد يسمح لهم بالإطلاع الجزئي , كما انه قد يلزمون بالبت في مصيرها خلال مدة قصيرة جدا بحيث لا يتمكنون من فحصها كما ينبغي و كمثال على ذلك نرى الاتفاقيات الاقتصادية التي قد تحيلها حكومة البحرين لمجلس النواب بصفة الاستعجال حيث لا بد للنواب أن يبتون فيها خلال خمسة عشر يوما مع العلم أن المواضيع الاقتصادية دقيقة و تحتاج لفحص دقيق و مع العلم أن جدول مجلس النواب لا يخلو من المواضيع,
و الخلاصة التي نتوصل إليها هي وجوب أن يصدر تشريع بحريني واضح و يحدد آلية التعاطي مع المعاهدات الدولية و المدة التي لابد من عرضها للتصديق خلالها و ينص على عدم استثناء أي معاهدة من العرض على مجلس النواب وعدم حجب أيا من بنودها عنهم والمدى الزمني لتطبيقها
بقـــلم:
المحامي الشيخ /عبد الهادي خمدن
للاتصال: 39242747
skhadi@batelco.com.bh
sk-hadi@hotmail.com
بمناسبة قرب عرض التقرير عن حقوق الإنسان في البحرين و بمناسبة توقيع البحرين لعدد من المعاهدات ذات الصلة بحقوق الإنسان و غيرها ربما يتساءل عامة الناس عن جدوى هذه المعاهدات و عن مدى انعكاسها عن حياة الإنسان من حيث الواقع, و في الحقيقة فإن هذا التساؤل في محله و الإجابة عليه متشعبة نوعا ما ..غير أن من المفيد جدا التعرض للإجابة و الصبر عن قراءة الإجابة الطويلة نسبيا حيث أن هذا الموضوع بالغ الأهمية سيما و أن هناك اتجاه متنامي يتجه نحو اعتبار الأمم المتحدة ( دولة فوق الدول) أي أن لها الكلمة العليا على جميع الدول..و مع ذلك فسأحاول الاختصار ما أمكن ،،
1 – من حيث المبدأ و كأصل عام فان القوانين الوطنية تسمو على الاتفاقيات و المعاهدات الدولية أي أن لها الأولوية في مجال التطبيق و لذلك فان على الدول التي تبرم معاهدات أو اتفاقيات دولية أن تقوم بتعديل قوانينها لتتناسب مع ما تم التوقيع عليه في تلك الاتفاقيات و المعاهدات و ما لم تقم تلك الدول بالتعديل فان المعاهدات و الاتفاقيات لا تجد طريقها للتطبيق و كمثال على ذلك محاكمة احد الناشطين الحقوقيين في البحرين لما دفع أمام القضاء- بمخالفة المواد التي يحاكم بمقتضاها- لحقوق الإنسان فأجابه القاضي انه يحاكمه بموجب تلك المواد القانونية لأنها سارية المفعول,,
2- في حال وجود مادة في دستور الدولة تنص على أن المعاهدات و الاتفاقيات الدولية تسمو على الدستور أو على القوانين الوطنية فإنه في هذه الحالة- و هي تعتبر حالة استثنائية- يتم العمل بمقتضى تلك الاتفاقيات و المعاهدات بمجرد التصديق عليها ما لم تنص على تاريخ معين لبدء العمل بها فينتظر إلى ذلك التاريخ لتطبيقها ..و كل ما يلزم هو أن يبرز أي طرف في الدعوي ما يثبت توقيع الدولة على تلك الاتفاقية أو المعاهدة ليعتبرها القاضي سندا في الدعوى يلغي حجية كل سند يخالفه..
3 – إذا قامت الدولة بإصدار تشريع يتوافق مع ما وقعته من اتفاقيات لكنه يخالف نصا دستوريا و صدر التشريع مخالفا لإجراءات التعديل الدستوري فلا تكتسب المعاهدات قوة النفاذ و يمكن الطعن عليها و على التشريع المشار إليه أمام المحكمة الدستورية كما يمكن للقاضي عدم تنفيذه من تلقاء نفسه
4 – إذا وقعت الدولة على معاهدة أو اتفاقية و كان القانون يتطلب التصديق عليها من قبل جهة معينة – و عادة تكون السلطة التشريعية- فانه لا تكتسب تلك المعاهدة أو الاتفاقية قوة النفاذ إلا بعد التصديق عليها من قبل الجهة المختصة.. و أحيانا بل كثيرا ما يكون الفارق الزمني بين التوقيع و التصديق كبيرا ،،
5 – و يمثل شرط التصديق ضمانة كبيرة و قوية لحفظ حقوق الدولة و مواطنيها.. لأنه يتيح وقت للتروي و يعطي مجالا لإعادة النظر و يمثل مخرجا و حلا لما قد تقع فيه الحكومة من إحراج أو استعجال كما يكرس حال الشراكة الوطنية لان التصديق يصدر عن ممثلي الشعب و كمثال عن الحرج الذي ذكرناه هو ما حدث أبان غزو العراق للكويت حيث اجتمعت دول الخليج في الدوحة لبحث هذا الموضوع المحدد لكن فاجأتهم قطر بتعطيل المباحثات و إلزامهم بوضع حل لنزاعها الحدودي مع البحرين و تحت طائلة الإكراه المعنوي و خشية من إفشال الاجتماع وقعت البحرين على اتفاقية التحكيم لدي محكمة العدل الدولية و التي مثلت سندا فيما بعد لقطر لإجبار البحرين للمثول أمام المحكمة الدولية و لم يقبل من البحرين أن تدفع ( بعدم القبول لرفعها على غير ذي صفة) و لو كان هناك شرط التصديق لأمكن للبحرين التنصل من تلك الاتفاقية فيما بعد بحجة عدم التصديق عليها من السلطة التشريعية ... و مع أن البحرين تعتبر منتصرة لان المحكمة قررت حقها في الاحتفاظ بجزر حوار لكنها خسرت فشت الديبل و بعض الجزر الصغيرة و خسرت المجال البحري المفترض لجزيرة قطعة جرادة و خسرت الآبار النفطية التي تقع بالقرب من فشت الديبل..
6- و حيث أن الاتفاقيات و المعاهدات الدولية لها قيمة قانونية دوليا و لها حجية فان الدولة التي لا تطبق ما وقعت وصدقت عليه فإنه يمكن محاسبتها دوليا كما يمكن فرض عقوبات عليها تتناسب و وضعها كدولة فيمكن فرض الغرامات عليها أو حجب بعض الامتيازات عنها كما يمكن مقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية
7 – و بالنسبية لمدى حجية تلك المعاهدات و الاتفاقيات الدولية فان حجيتها تنحصر بين الأطراف الموقعة عليها لكن لو أودعت نسخة منها لدى الأمم المتحدة فان الإيداع يعطيها حجة في مواجهة كافة الدول فالأمم المتحدة بالنسبة للدول تكون بمثابة جهاز التسجيل و الشهر بالنسبة للأفراد
8- و بالنسبة للمفاضلة بين الأسلوبين و هما (1) النص في دستور الدولة على أن ما توقعه الدولة يكون اسمي من القوانين الوطنية و يسري فور التصديق علية و (2 ) وجوب عرض أي اتفاقية أو معاهدة أمام السلطة التشريعية لفحصها و التأكد من ملائمتها دستوريا و اجتماعيا و أنها تمثل ما يتطلع الشعب إليه .. نرى أن الأسلوب الثاني هو الأفضل لأنه عنصر الضمان فيه أقوى
10 – و هناك مشكلة وهي أن بعض الحكومات تسعى للالتفاف على الجهة المختصة بالتصديق فتحيل المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية التي تخشي عدم التصديق عليها إلى جهة أخرى كان تكتفي بتوقيع رأس الدولة أو لجنة خاصة ..أو تدعي أن بنود الاتفاقية سرية ليس من مصلحة الدولة كشفها أمام النواب وهكذا تصدق على الاتفاقية جهة غير الجهة المخولة دستوريا بالتصديق عليها أو تمرر الاتفاقية و يصدق عليها دون فحصها أي يوافق النواب عليها دون الإطلاع عليها أو قد يسمح لهم بالإطلاع الجزئي , كما انه قد يلزمون بالبت في مصيرها خلال مدة قصيرة جدا بحيث لا يتمكنون من فحصها كما ينبغي و كمثال على ذلك نرى الاتفاقيات الاقتصادية التي قد تحيلها حكومة البحرين لمجلس النواب بصفة الاستعجال حيث لا بد للنواب أن يبتون فيها خلال خمسة عشر يوما مع العلم أن المواضيع الاقتصادية دقيقة و تحتاج لفحص دقيق و مع العلم أن جدول مجلس النواب لا يخلو من المواضيع,
و الخلاصة التي نتوصل إليها هي وجوب أن يصدر تشريع بحريني واضح و يحدد آلية التعاطي مع المعاهدات الدولية و المدة التي لابد من عرضها للتصديق خلالها و ينص على عدم استثناء أي معاهدة من العرض على مجلس النواب وعدم حجب أيا من بنودها عنهم والمدى الزمني لتطبيقها
بقـــلم:
المحامي الشيخ /عبد الهادي خمدن
للاتصال: 39242747
skhadi@batelco.com.bh
sk-hadi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق